على
رغم أن إسطنبول تعتبر واحدة من أجمل مدن العالم، وعلى رغم أن ما يصنع جمال
إسطنبول إنما هو قصورها ومعالمها التاريخية، ولا سيما مساجدها الرائعة،
فإن متحف طوب كابي يكاد وحده أن يلخص عظمة وتاريخ السلاطين العثمانيين.
فمنذ
محمد الثاني حتى عبدالمجيد ظل سلاطين بني عثمان جميعاً يقيمون في "طوب
كابي سراي"ومنه يحكمون إمبراطوريتهم الفسيحة حتى توسع وامتلأ بالتحف
والذكريات ماجعله أشبه بسجل لتاريخ تلك الإمبراطورية الحافل·
أما
"طوب كابي" في شكله الحالي فيتألف من سلسلة من المباني المستقلة عن بعضها
مساكن، أجنحة، صالات استقبال، مكتبات، حمامات، مطابخ، مخازن، مساجد··· وهي
موزعة حول أفناء واسعة تواصل بناؤها حتى أواسط القرن التاسع عشر·· أما
المدخل الرئيس للقصر فهو عبر الباب المسمَّى"باب همايون" والذي عرفه العالم
كله باسم الباب العالي. قاعات الأمانات المقدَّسة: أمر
السلطان محمد الفاتح بإنشاء جناح الأمانات المقدسة بين عامي في قصر طوب
كابي، وقد توافرت أمانات عديدة مع اتساع وامتداد الامبراطورية على الأرض
وفي الزمن·
كان
السلطان أحمد الأول هو أول من فكر ووضع الصندوق الذي يحتوي على بردة النبي
[ فوق كرسي العرش متبركاً بها وهكذا ظل الحال حتى غادر السلطان محمود
الثاني قصر طوبي كابي نهائياً وأمر بتخصيص القصر بالكامل ليكون متحفاً لحفظ
الأمانات المقدسة· في
الزاوية اليسرى من الغرفة الخاصة - غرفة العرش سابقاً- توجد شبكة الأمانات
المقدسة التي صنعت بأمر من السلطان·· واحتلت أمانات الرسول عرش
الإمبراطورية وغرفة الحكم التي كانت تدار منها مصائر شعوب ودول عديدة· في
هذه الشبكة يوجد صندوق من الذهب منقوش بالآيات القرآنية والزخارف البديعة
أمر بصنعه السلطان عبدالعزيز كوعاء يحفظ فيه صندوق أصغر من الذهب أيضاً هو
الذي يضم بداخلة البردة النبوية الشريفة، اما البردة نفسها فقد وضعت في
حافظة من الحرير مطرزة تطريزاً رائعاً·· هذه البردة هي التي أهداها النبي
للشاعر كعب بن زهير بعد أن ألقى في حضرة الرسول قصيدته "بانت سعاد" الشهيرة
سميت كذلك بقصيدة البردة·· وانتقلت البردة من الأمويين بعد زوال ملكهم إلى
العباسيين ثم انتقلت إلى مصر مع آخر الخلفاء العباسيين ·· وعندما فتح
السلطان سليم مصر تسلّم البردة النبوية في العاشر من فبراير 1517م مع باقي
الأمانات المقدسة وحملها معه جميعاً إلى قصر طوب كابي· ومن الأمانات أيضاً العلم النبوي الشريف الذي يحفظ داخل صندوق من الذهب· أما
رسالة النبي التي بعث بها إلى المقوقس ملك القبط سنة 627م فقد أمر السلطان
عبدالمجيد بحفظها داخل إطار من الذهب وصنع لها أيضاً صندوق من الذهب
المزخرف بحليات رائعة، وقد كتبت الرسالة على الجلد تلفت من وسطها وقد وضع
الى جانبها لوحة كتب عليها نص الرسالة· وتتضمن
الأمانات المقدسة 21 سيفاً من سيوف الخلفاء والصحابة في مقدمها سيفان
للنبي موضوعان على حشية من المخمل الأزرق فوق صندوق من الفضة المزخرفة، السيف
الموجود في المقدمة أمر السلطان أحمد الأول بصنع غمده وقبضته من الذهب
الخالص، وتم ترصيعه بالأحجار الكريمة، كما أمر بإعادة صنع السيف الثاني على
نفس الطراز، وقد تم إصلاح أغماد وقبضات ونصال معظم السيوف في عهود
السلاطين العثمانين كما غلفت بالمعادن الثمينة ورصعت بالأحجار الكريمة· وهناك
أيضاً خاتم النبي المصنوع من العقيق وهو بيضاوي الشكل في حجم فصل خاتم
كبير منقوش عليه عبارة "محمد رسول الله "·· وهناك جزء من سن من أسنان النبي
في داخل محفظة على شكل علبة فضية مزخرفة، وهي السن التي انكسرت أثناء
موقعة أحد، وهناك العلبة التي يحتفظ فيها بـ شعرة من اللحية البنوية
الشريفة وهي مصنوعة من الزجاج وحولها إطار من الذهب ويتم وضعها في علبة
فضية مزخرفة· ومن
بين الأمانات المقدسة هذا المصحف الشريف المخطوط على جلد غزال كان سيدنا
عثمان يتلو فيه عندما أستشهد في بيته، ويلاحظ أنه ملطخ بالدماء·· توجد بعض
العلب الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة والتي تحتوي على تراب جلب من ضريح
النبي محمد·
وإلى
جانب أمانات الرسول توجد بعض الأمانات الخاصة بالكعبة المشرفة، فيوجد
مفتاحا الكعبة والقفل وكلها من الفضة، وكذلك توجد ستارتان مأخوذتان من غطاء
الكعبة تزينان جدران الغرفة الخاصة وعليهما نجد آيات قرآنية· وللحجر
الأسود محفظة من الذهب الخالص داخل خزانة بلورية موجودة في غرفة كان
السلطان يوزع فيها الهدايا على زائريه ليلة نصف رمضان بعد زيارته للبردة
الشريفة، وهناك ميازيب في غرفة السعادة صنعت للكعبة، منها ميزاب صنع من
الفضة والذهب بأمر من السلطان سليمان القانوني وهناك ميزاب آخر صنع بأمر
السلطان أحمد الأول، ومحفظة فضية أمر بصنعها السلطان مراد الرابع ليوضع
فيها الميزاب الفضي الذي صنع بأمر السلطان سليمان القانوني وتوجد على
المحفظة آيات قرآنية·
وهناك
سيوف تنسب إلى كل من: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي
بن أبي طالب، زين العابدين ، الزبير بن العوّام، الحسن بن علي، جعفر
الطيار، خالد بن الوليد، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم·
وهناك
من بين تقنيات المتحف طنجرة يقال أنها لسيدنا إبراهيم عليه السلام، وعصى
تنسب إلى سيدنا موسى عليه السلام، وهناك جزء عمّ الذي كتبه السلطان
العثماني عبدالمجيد·
وهناك بالمتحف حجر عليه أثر القدم الشريفة والسجادة النبوية والقوس النبوي وماء من الغسل النبوي، وقميص يوسف عليه السلام·
حقيقة
إن تركيا مليئة بعشرات المتاحف ودور الآثار، ولكن متحف طوب كابي يقف في
مقدمها بما حواه من مقتنيات، تنافس مقتنيات أشهر المتاحف العالمية، بل
وتتفوق عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق