شِبَاك الشيطان
أثناء عودتي من بيروت دخلت مطارها
عيوني تجاهدني وأنا أجاهدها
الثياب قصيرة جداً! للأسف الشديد
كنت لوحدي ولم يكن معي من يذكرني إذا نسيت
ولكني ولله الحمد قد تعودت على غض البصر، فلم أشعر بكبير عناء في صرف طرفي عما ( يسوء المؤمن )
أكملت مسيري بين ( الفنتن ) حتى وصلت إلى المكان الذي أسلم منه الحقائب وحجز بطاقة الصعود للطائرة
وقفت أمام الموظفة المتبرجة!
لا تلمني على ذلك فلم أجد موظفاً هناك! كن كلهن موظفات
لما سلمتها الجواز ابتدرتني بعبارات هي أرق من المسك
بهرني في البداية أسلوبها!
حاولت صرف النظر عنها كثيراً عند حديثي معها
ثم تتابعت بعدها كلمات الحسن تتقاطر منها
(بليز حط الشنتة هون)
( معليش نترتك معي )
( لحظة لو سمحت )
( رح عذبك بهالطلب )
وما من كلمة إلا ولها فيها أسلوب وخضوع في القول
لم أتمالك نفسي بعدها حتى فررت منها فراري من الطاعون
بعد ذلك توجهت إلى صالة الانتظار وجلست أنتظر الإعلان عن فتح باب الصعود للطائرة
تذكرت بعد زمن بأني لم أصل العصر، والوقت بدأ يقترب من المغرب
توجهت مباشرة إلى أحد موظفي المطار من الدرك وسألته عن مكان وجود المصلى
فاعتذر وأبدى لي أسفه عن عدم وجود مصلى!! فسألته عن وجهة القبلة فاعتذر
متبسماً وقال : أعفني!!
فلم أفاجئ إلا والموظفة التي أخذت مني الحقائب تقفز من على كرسيها وترشدني إلى مكان القبلة، دهشت في البداية لأمرين :
من وجودها معنا في تلك الصالة وقد اسْتَلَمَت مني الحقائب وقت دخولي
ومعرفتها بالقبلة مع تبرجها وترجيحي بأنها نصرانية مارونية
أرشَدَتْنِي وفهمت
ذهبت إلى آخر الصالة ووقفت أقدر الجهة بالضبط؛ فإذا بها تتبعني من مكانها
بمسافة نحو الخمسين متر لتقف أمامي في ثوبها القصير متجهة للقبلة قائلة : (
بهيدا الاتجاه )
صليت ركعتين لم أعرف كيف صليتهما
دخل الشيطان من جميع مداخله
لا تظن بي سوءاً فأنا ولله الحمد ملتزم وطالب علم منذ نشأتي، لكن الشيطان
ذو خبرة في إضلال بني آدم تعدو آلاف السنين؛ فهل يعجز عن لفتي عن عبادتي؟
أديت الصلاة بلا خشوع، ثم ذهبت إلى حقيبتي وأخرجت منها كتاب البلغة في
أصول اللغة لصدِّيق حسن خان، وغصت في قراءة المقدمة لشيخي محقق الكتاب
الدكتور نذير مكتبي، وأبحرت معه في مقدمته عن الهجوم الشرس على اللغة
العربية، فلم ينبهني إلا رجل يسألني عن حكمٍ شرعي من أحكام العمرة، فأجبته
وقام وشيعته بناظرين شاردين، تذكرت في هذه اللحظة نظرة الناس لي، فخجلت
من نفسي في حسن ظن الناس بي وتقصيري
ثم أعلنوا عن الرحلة، فقمت ودفعت الجواز، فدققت هي بذاتها في الجوازات!! وسلَّمَتْهُم باليد واحداً واحداً
جلست في الطائرة في المقاعد النصفية الخمسة
جاءني إبليس من جديد
دلني على فتاتين متبرجتين تجلسان أمامي متنحيتان قليلاً إلى اليمين، ثم قامت أجملهما!
- هكذا اختاراها إبليس لي –
ووضبت حقيبتها في حركة غريبة لفتت نظري، فإذا بها تنظر إلي!
انتزعت عيني منها انتزاعاً
قلت في نفسي: لعلها متعجبة من لحيتي وثوبي السعودي، لكنهما متجهتان إلى
جدة، والأغلب أنهما مقيمتان بها، فلماذا العجب من هذه الهيئة وهي معهودة
لديها في المملكة؟
ثم قامت مرتين وهي تكرر النظر فيهما إلي، والشيطان ينغز على عادته، وكأنه كما يسمونه عندنا بالمثل الشامي ( محراك جهنم )
جَلَسَتْ مع اختها تكلمها وعيناها علي، فإذا بي أشعر بوقوف شعري من شدة
الموقف، فلو كنت متزوجاً لهان علي المصاب، لكنني أعزب مسكين، فقلت أخاطب
نفسي : ( لو لم تشغل نفسك شغلك إبليس ) ففتحت
كمبيوتري المحمول، وشرعت في إكمال بحث كنت قد بدأت به، ووضعت السماعة في
أذني واستمعت لقراءة قارئ ليبي كان مغنياً ثم تاب، وكان صوته غاية في
الروعة، ففوجئت بأن الآيات قد جائت بِقَدَرٍ ممن لا تخفى عليه خائنة النفوس
( جعل
الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد
ذلك لتعلموا أن الله يعلم مافي السماوات ومافي الأرض وأن الله بكل شيء
عليم * اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم * ما على الرسول
إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل لا يستوي الخبيث والطيب
ولو أعجبك كثرة الخبيث )
هنا توقفت لحظة
هذه رسالة من الباري علام الغيوب، يخبرني أن الخبيث لا يستوي مع الطيب
صدق الله
والله لا تستوي المحتشمة ذات الحياء مع باعت عرضها لأخس الرجال بأبخس الأثمان
( ولو أعجبك كثرة الخبيث )
نعم لقد غرني كثرة الخبيث
فوالله ما سمعت هذه الآية حتى هانت في عيني ولم أطرف إليها بطرف حتى وصلنا إلى جدة
سمعت تمام الآية ( فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون )
جاءتني كالصاعقة تنبهني من غفلتي، فالله يناديني ( يا أولي الألباب )
يا أصحاب العقول
ثم ختمها بقوله ( لعلكم تفلحون ) ولعل للتقليل، فكأنه يريد أن ينبهني إلى أن التقوى ابتداء بدون توفيق من الله لا تقود إلى الفلاح، نعم أريد الفلاح
[ استجبنا ربنا استجبنا ]
نزلت من الطائرة وأنا عالي الرأس، منفتح الصدر، قد قلبت صفحاً عما عرض لي وكأني ولدت من جديد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق