بين مفاتن مدينة «ووكلاو» الواقعة في جنوب بولندا
ومحيطها الطبيعي الذي يجمع بين الأرض المنبسطة والمرتفعات الخضراء التي
تحتضن غابات الفواكه والثمار والمياه التي تخترق اجزاءها من مختلف
الأركان، ثمة علاقة قديمة تمتد الى بداية تاريخ ظهور المدينة، حينما
استوطنتها قبائل السولافيين، وقام ملكهم التشيكي بولسلاف خرابري بتشييد
معالمها الحضارية آنذاك مبتدءاً بقلعة المدينة القديمة التي اطلق عليها
اسم مشتق من اسم الملك «فراتسلاف».
ومدينة «ووكلاو» تعتبر واحدة من المدن البولندية التي تتمتع بحضور
سياحي متميز، فأراضيها غاية في الجمال، وهواؤها نقي للغاية، ومياهها
تملأ الآفاق حولها فهي تتكون من 12 جزيرة، تقع جميعها على نهر «اودرا»،
وترتبط في ما بينها بجسور يبلغ عددها 30 جسراً، وكل هذه الجزر وما
يحيطها من مياه وأراض تشكل معالم المدينة الرائعة.
وفي مراحل التاريخ القديم، شهدت المدينة ازدهاراً كبيراً، لكنها أيضاً
شهدت العديد من الضربات الموجعة، فقد وقعت تحت السيطرة التركية التي
تسببت بأضرار بالغة لحقت بأهلها وممتلكاتهم، وايضاً طبيعة حياتها
الثقافية العامة. ولكن طراز حياتها العسكري في تلك الفترة شهد ايضاً
ازدهاراً في بناء القلاع الكبيرة المحصنة التي تحولت فيما بعد الى مواقع
أثرية وتاريخية تجتذب المزيد من الزوار والسياح عموماً، لما تحتويه من
كنوز أثرية وتاريخية تتحدث عن تلك المراحل القديمة.
ومن بين معالم المدينة الجميلة التي تعتبر جزءاً حيوياً من المعمار
الانساني الرفيع «ساحة المدينة الرئيسية» التي تدعى ساحة «رنيك»، وتضم
العديد من البنايات التي شيد معظمها في مراحل تاريخية قديمة بقدم
المدينة.
وكانت المدينة في العام 1335 قد وقعت تحت ملكية العائلة الحاكمة في
«سليسكو»، وهي بذلك اعتبرت جزءاً من المملكة التشيكية. وقد اهتم بها
الملك كارل الرابع ملك التشيك، فاستفادت من عصره الذهبي وأصبحت واحدة من
أبرز مدن الاستجمام والراحة في وسط أوروبا. امتد زمن الازدهار في هذه
المدينة الى القرن السادس عشر، وحينما انفصلت «سيليسكا» عن المملكة
التشيكية عام 1741، التحقت بها مدينة «ووكلاو»، فخضعت لملكية الملك
البروسي فردريخ الثاني، واطلق عليها اسم «بروكسيل»، لكن «بروكسيل»
البولندية لم تلبث أن تعرضت الى احتلال جيوش نابليون بونابرت، فتغيرت
ملامحها من جديد.
كانت «ووكلاو»، بحكم طبيعتها الجذابة وموقعها المتميز، تثير أطماع
المحتلين على الدوام، وحينما احتلها نابليون بونابرت حاول كسر معنويات
أهاليها من خلال هدم القلعة الكبيرة التي كانت ترمز الى هوية المدينة،
وعلى انقاضها شيد العديد من المواقع العسكرية الجديدة.بيد ان المدينة
نهضت من كبوتها بعد سنوات عدة، واستعادت هويتها، لكنها وقعت تحت سيطرة
الاحتلال النازي الذي بدا يشيد المزيد من المواقع ذات الطابع العسكري
ومنها خط المركبات العريض بين «ووكلاو» و «برلين» الذي يستخدم بكثافة الى
وقتنا الراهن.وفي مرحلة النظام الشيوعي انطلقت حملة معمارية هائلة، وتم
فيها ترميم كل المواقع الأثرية والتاريخية التي دمرت أثناء الحرب،
فاستعادت المدينة مجدها من جديد.
اليوم يعيش فيها نحو 600 ألف نسمة، وتعتبر رابع أكبر مدينة في بولندا.
وتتركز أبرز معالمها الحضارية في ميدان المدينة الذي يشكل قلبها النابض
بالحركة والحيوية ليلاً ونهاراً، حيث ينتشر هناك العديد من المطاعم
والمقاهي والملاهي، إضافة الى المراكز الثقافية المختلفة. وتحيط بساحة
«رنيك» البيوت القديمة من كل الجهات، وفي وسطها توجد بناية «البلدية»
التي تضم برجاً ارتفاعه 66 متراً، تطل من خلاله على معالم المدينة
الجميلة، وقد بني هذا البرج عام 1534.
ويوجد ايضاً متحف الفن الذي يضم أعمالاً رائعة لنخبة من الفنانين
البولنديين الكبار، في حين توجد قرب الموقع ساحة صغيرة تدعى «ساحة
الملح»، حيث كانت محالها تبيع الملح في الزمن السالف، لكنها الآن تحولت
الى محال لبيع الزهور بدلاً من الملح.ويوجد العديد من الكنائس مثل كنيسة
«اليزابيث المقدسة» التي تجاور شارع «اودرازنسكي» الذي يقود الى النهر
وينتهي عند بناية الجامعة. وهناك أيضاً مجموعة الجسور القديمة ذات الطراز
الفني «الرومانسي» مثل جسر «بيسكوفي» الذي يقود الى جزيرة صغيرة تدعى
«ويسباتبسكي».
مدينة «ووكلاو» تجمع بين المتعة الشخصية التي يحتاجها الزائر، وبين
التذوق الفريد من نوعه لجمال الطبيعة الجذابة، خصوصاً تلك التي توفرها
مياه الجزر حيث تزدهر رياضة الماء والسباحة والنزهة بواسطة القوارب أو
السفن الصغيرة.ومهما تعددت نواحي الراحة والاسترخاء والنزهة في هذه
المدينة، فإن السائح ربما يعود بانطباع قد لا يتوافر من زيارته لمناطق
أخرى في اوروبا، فهنا توجد ميزات عدة، أبرزها ان أهالي المدينة يتميزون
بحسن معاملتهم للزوار الأجانب، بل وان الكثير منهم يعتبرون استضافة
الزائرين جزءاً من تقاليدهم الاجتماعية الراسخة، وعليه يجب تقديم مختلف
أنواع المساعدة لهؤلاء الزوار. أما الأفضلية الأخرى، فتتعلق بالمصاريف،
ففي هذه المدينة وربما في معظم المدن السياحية البولندية ينفق السائح ربع
المبالغ التي ينفقها في أماكن أخرى من العالم وبخاصة أوروبا، حيث تتميز
مدن السياحة البولندية برخصها في مختلف المجالات.
والأفضلية الثالثة، التي تعتبر أبرز الافضليات، هي ما تقدمه المدينة من
إرث حضاري قديم وطبيعة رائعة الجمال، ومجالات واسعة للهو والمتعة
والرياضة واكتشاف الجديد من المواقع الساحرة.والملفت للنظر ان كثيراً من
السواح العرب بدأوا بالسفر الى هذه المدينة وغيرها من المدن السياحية
البولندية، ربما لأنهم وجدوا ما يبحثون عنه من استرخاء ومتعة وتبضع
تجتذبهم الى هذه المواقع بأكثر سهولة من المواقع الأخرى، وايضاً بأرخص
الأثمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق